کد مطلب:239470 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:128

موقف العرب من المأمون، و نظام حکمه
و أما العرب : فانهم لا یرضون بالمأمون خلیفة و حاكما أیضا، كما أشار الیه الفضل بن سهل فیما تقدم ..

أما أولا : فلأن أمه، و مؤدبه، و القائم بأمره، غیر عربیین. و لقد عانی العرب ما الله أعلم به، من تقدیم أسلافه للموالی، حتی لم یعد لهم معهم أی شأن یذكر، و أصبح العربی أذل من نعجة، و أحقر من الحیوان ..

قال المسعودی : « .. و كان ( أی المنصور ) أول خلیفة استعمل



[ صفحه 168]



موالیه و غلمانه فی أعماله، و صرفهم فی مهماته، و قدمهم علی العرب؛ فامتثل ذلك الخلفاء من بعده، من ولده، فسقطت، و بادت العرب، و زالت ریاستها، و ذهبت مراتبها .. » [1] .

و قال ابن حزم، و هو یتحدث عن العباسیین : « .. فكانت دولتهم أعجمیة، سقطت فیها دواوین العرب، و غلبت عجم خراسان علی الأمر، و عاد الأمر كسرویا، الا أنهم لم یعلنوا بسب أحد من الصحابة رضوان الله علیهم .. و افترقت فی دولة بنی العباس كلمة المسلمین» [2] .

و یقول الجاحظ : « .. دولة بنی العباس أعجمیة، خراسانیة، و دولة بنی مروان عربیة» [3] .

الی آخر ما هنالك، مما یدل علی سقوط العرب فی تلك الفترة، و امتهانهم . و یبدو أن ذلك من المسلمات . و قد استوفی الباحثون - و منهم أحمد أمین، فی الجزء الأول من ضحی الاسلام - البحث فی هذا الموضوع ؛ فمن أراد فلیراجع مظان وجوده ..

و اذا ما عرفنا : أن من الطبیعی أن یكون ذهاب رئاسة العرب، و ابادتها، و اضطهادها علی ید الفرس، الذین كانوا هم أصحاب القدرة و السلطان آنذاك .. فلسوف نجد أن من الطبیعی أن یحقد العرب، الذین كانوا فی وقت ما هم أصحاب الجبروت و القوة، علی الفرس، و علی كل من یتصل بهم، و یمت الیهم بسبب ؛ من قریب أو من بعید ..



[ صفحه 169]



و أما ثانیا : فلسیرة أسلافه، و أبیه الرشید بالخصوص، فی الناس عامة، و مع أهل بیت نبیهم خاصة، و التی قدمنا شطرا منها فی الفصول التی سبقت .

أما الأمین : فقد كان له - الی حد ما - شافع عندهم ؛ حیث انه كان من أب و أم عربیین من جهة . و كان قد منحهم ثقته و حبه، و قربهم الیه، حتی كان وزیره الفضل بن الربیع منهم .. ممن جهة ثانیة ؛ فتوسموا فیه أن یجعل لهم، شأنا و أن ینظر الیهم بغیر العین، التی كان أبوه و أسلافه ینظرون الیهم بها . أو علی الأقل : سوف لا تكون نظرته الیهم، علی حد نظرة المأمون نحوهم. و ذلك ما یجعلهم یرجحونه - علی الأقل - علی أخیه المأمون، و ان كان المأمون أفضل، و أسن منه ؛ فلقد كان علیهم أن یختاروا أهون الشرین، و أقل الضررین .. حیت أن نصر بن شبث، الذی كان هواه مع العباسیین، لم یقم بثورته ضد المأمون، التی بدأت سنة 198 ه . و استمرت حتی سنة 210 ه . الا انتصارا للعرب، و محاماة عنهم ؛ لأن العباسیین كانوا یفضلون علیهم العجم، حسب تصریحات نصر بن شبث نفسه [4] .

و حتی فی مصر أیضا، قد ثارت الفتن بین القیسیة، المناصرة للأمین، و الیمانیة المناصرة للمأمون ..

و قال أحمد أمین : « .. ان أغلب الفرس تعصب للمأمون، و أغلب العرب تعصبوا للأمین .. » [5] .

كما أننا نكاد لا نشك فی أن تعصب العرب للأمین لیس الا للسببین المتقدمین، الذین أشرنا الیهما، و أشار الی أحدهما نصر بن شبث ..



[ صفحه 170]



و لكن فردینان توتل یری فی منجد الاعلام : أن تعصب العرب للأمین یرجع الی أن : « المأمون لم یستطع أن یجعل العرب یحبونه؛ حیث انه كان یظهر میلا للایرانیین، و یقربهم الیه . و قد أعانه الایرانیون فی مبارزاته، و حروبه، و خصوصا الخراسانیین منهم .. » .

و لكن الذی یبدو لی هو أن تعصب العرب للأمین لم یكن نتیجة تقریب المأمون للایرانیین، و تحببه للخراسانیین، و انما عكس ذلك هو الصحیح، فان المأمون لم یتقرب من الخراسانیین الا بعد أن فرغت یده من العرب، و أهل بیته، و العلویین..


[1] مروج الذهب، طبع بيروت ج 4 ص 223 ، و تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 24، و ص 270 ،269، و ص 258، و في طبيعة العباسية ص 279، نقلا عن المقريزي في : السلوك لمعرفة دول الملوك ج 1 ص 14 مثل ذلك . و ليراجع أيضا كتاب : مشاكلة الناس لزمانهم لليعقوبي ص 23.

[2] البيان المغرب، طبع صادر ص 71.

[3] البيان و التبيين ج 3 ص 366.

[4] التاريخ الاسلامي و الحضارة الاسلامية ج 3 ص 104.

[5] ضحي الاسلام ج 1 ص 43.